منتديات الصوفية

منتديات الصوفية
اضغط للذهاب إلى موقع ومنتدى الصوفية

venerdì 8 aprile 2011

«القرضاوي»: السلفيون اعتبروا الثورة «دعوة للفتنة» والآن يلصقون أنفسهم بها

«القرضاوي»: السلفيون اعتبروا الثورة «دعوة للفتنة» والآن يلصقون أنفسهم بها
[BIMG]http://media.almasryalyoum.me/sites/default/files/imagecache/highslide_zoom/photo/2010/03/24/228/458592-01-02.jpg[/BIMG]
ينتظر الملايين رأيه فيما يحدث، ومتى تحدث وأينما تحدث يثير الاهتمام، آراؤه تمنح البوصلة للكثيرين فيما يختلط عليهم من الأمور، فوسطيته ومنهجيته أتاحت له مساحة واسعة من القبول فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، فإسهاماته الفكرية المعتمدة على العقل مع الاحترام للنصوص، تشتبك مع واقع الحياة التى نعيشها بكل تفاصيلها المعقدة المتشابكة، فلم يخش التصدى لقضية بعينها بل اجتهد بروح عصرية متسلحة بالقرآن وسيرة النبى، ليقدم رأيا قد يثير جدلا لدى البعض، لكنه يعطى للبعض الآخر فرصة للتفكر فى سماحة الدين ويسره بعيدا عن دعوة الغلاة ودعاة التشدد، إنه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، الذى حاورته «المصرى اليوم» عبر الإنترنت ليدلى برأيه فى التعديلات الدستورية والمد الدينى فى الشارع المصرى وحالة الاستقطاب الحالية التى نحياها، وفى القلب منها غزوة الصناديق واتهامات الكفر والإلحاد التى توزع جزافا، إنها كلمات من شيخ مصرى جليل يأمل فى عودة الأزهر إلى دوره بوصفه منبر الإسلام الوسطى ويضع رؤية جديرة بالنقاش عن شكل الدولة المصرية فى المستقبل.. فإلى التفاصيل:
■ هناك حالة استقطاب على خلفية الدين فى مصر حاليا، وبدت جلية فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حيث صوّر البعضُ أن فريق (نعم) انتصار للدين فى مقابل فريق آخر علمانىّ مُلحد كان ضدّ الدين.. كيف ترى ذلك الطرح؟
- لا شك أن الدين هو سر الوجود، وجوهر الحياة، وفطرة الله التى فطر الناس عليها، وأن مصر بلد مؤمن، وشعبها شعب متدين منذ القدم، بدأت تدينها فى عهد الفراعنة، وبدوافع دينية بنت الأهرامات، وابتكرت التحنيط، وعندما تبنت الديانة المسيحية دافعت عنها وقدمت لها شهداءها، وعندما احتضنت الإسلام دافعت عنه ضد الصليبيين والتتار، وغدت قلعته الثقافية فى العالم بأزهرها العتيد.
ولكن هذا شىء، ومحاولة استنطاق الأحداث بغير ما تنطق به شىء آخر وهو غير مقبول، والإسلام دين يقوم على الصدق والواقع، ولا يقبل التزييف والتحريف.
وما جرى فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التى تحمّس لها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعرضها على الشعب ليبدى رأيه فيها، مستعجلا تسليم السلطة للشعب أو للمدنيين فى أقرب مدة ممكنة، وقد قدر الشعب هذه الرغبة الطيبة والنية الصالحة من الجيش؛ فاستجاب له وقال:(نعم) بهذه الأكثرية الكبيرة، فاعتبر هذا التصويت وفاء للجيش وتقديرا له
وقد قال لى بعض الأخوة: إن فضيلة الأخ الداعية المجاهد عالم الإسكندرية المعروف الشيخ أحمد المحلاوى يشدِّد فى وجوب القول بـ(نعم) فى الانتخابات على تعديل الدستور، ويرى أن القول بـ(نعم) فرض دينىّ، مَنْ لم يقـُل به عصى الله.
فقلت لهم: أنا أحترم الشيخَ المحلاوى، وأؤيد القولَ بـ(نعم) فى الاستفتاء، ولكنْ بناءً على المصلحة التى أراها لمصر، فهو أمر اجتهادى، من شأنه أن يختلف فيه الناسُ.
■ وهل ترى (محمد البرادعى)، و(عمرو موسى)، والداعية (عمرو خالد) وأمثالهم علمانيين ملحدين؟
- لا يستطيع أحد أن يُقيمَ الدليلَ على ذلك، والأصل فى الإسلام حسنُ الظن بالناس، ولا يجوز اتهامُ الناسِ بغير دليل.
المهم أن يحترمَ الناسُ النتيجة التى حصلت بالأكثرية، وأن يخدمَها الجميعُ، حتى الذين صوَّتوا بـ(لا)، وأنا مِنَ الذين أيدوا القول بـ(نعم)، وأراها بديهية عندى، ولكن أشهد أن لو قالتْ الأغلبيةُ: (لا). لسلَّمْتُ لهم، وهذه هى حقيقة الديمقراطية.
■ دولة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كانت مدنيّة تعْترف بحق الذمّيين وتمنحهم حق المواطنة.. فما رأيك فى الحديث الذى يردِّده البعضُ فى التيارات الإسلامية من دفعهم الجزية وممارسة التمييز ضدهم كأقلية؟
- لا يعرف الإسلامُ (الدولةَ الدينية) بالمفهوم الغربىّ، أىْ الدولة (الكهنوتية)، أو (الثيوقراطية)، التى تعتمد على (الحق الإلهى)، وتقوم على مناكب رجال الدين، الذين يتميزون عن سائر الجماهير بأنّ ما حلُّوه فى الأرض هو محلول فى السماء، وما عقدوه فى الأرض هو معقود فى السماء.
إن الحاكم أو الأميرَ أو الخليفة فى الإسلام وكيلٌ عن الأمّة، أو أجير عندها، وليس مسلطا على رقابها، كما أثِر عن أبى بكر- رضى الله عنه - أنه قال فى أول خطبة له بعد توليه الخلافة: أيها الناس، إنى وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتمونى على حق فأعينونى، وإن رأيتمونى على باطل فسدِّدونى، أطيعونى ما أطعتُ الله فيكم، فإنْ عصيتُ فلا طاعة لى عليكم.
وكما قال بعضُهم لعمرَ رضى الله عنه: اتقِ اللهَ يا بنَ الخطاب فأنكر بعضُ أصحابه، وقال: كيف تقول ذلك لأمير المؤمنين؟ فقال عمر: دعْه يقلْها، لا خيرَ فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها!
ودخل أبومسلم الخولانى الفقيه التابعى الكبير على معاوية- رضى الله عنه- فى خلافته وقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال جلساؤه: بل قل: السلام عليك أيها الأمير. قال: بل السلام عليك أيها الأجير. وكرروا كلامهم، وكرر كلامه، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أعلم بما يقول.
وأخذ أبو العلاء هذا المعنى فضمنه شعرَه حين قال:
مُـلَّ الـمـقامُ، فـكمْ أعـاشِرُ أمّــةً أمـرتْ بغـيرِ صلاحها أمراؤُهـا!
ظلموا الرعيةَ واستباحوا كيدَها وعـدَوْا مصالحها وهم أجراؤها!
وقد أعطى الرسول الكريم فى دولته التى أقامها فى المدينة (حق المواطنة)، وما يستلزمه من حقوق أخرى من دفاع عن النفس والحُرُمات، وما يوجبه من أعباء وواجبات، كالدفاع عن الأمَّة وأرضها وسيادتها وحرماتها، وما تقتضيه من دفاع ضد الأعداء.. إلخ.
وقد أجمع الفقهاء على أن أهل الذمة من (أهل دار الإسلام)، ومعنى أنهم(أهل الدار): أى مواطنون، وكلمة (الذمّة) معناها: العهد والضمان، فلهم (عهد الله ورسوله والمسلمين وضمانهم)، ولكن إذا كانت هذه الكلمة تؤذى إخواننا، فلا مانع من حذفها، فليس هناك دليل من كتاب ولا سنة يُلزمُنا بها.
أمّا دفع الجزية، فهو غاية للقتال، وليس علَّة له، كما قال العلماء فى تفسير آية الجزية، فالجزية ضريبة فى مقابل فريضة الجهاد التى يبذلها المسلمُ من دمه دفاعًا عن وطنه، فإذا طلب غيرُ المسلم أنْ يشاركَ فى الدفاع عن وطنه مع المسلم- كما هو الواقع اليوم- كفاه ذلك عن دفع الجزية.
ولما طلب بنو تغلب- وهم من نصارى العرب- من سيدنا عمر أن يدفعوا له مالَ الجزية باسم الزكاة، ولو كان أكبر من مقدار الزكاة التى يدفعها المسلم؛ لأنهم قوم عرب يأنفون من قبول كلمة (جزية)، وقد تردد عمر فى أول الأمر ثم قبل ذلك قائلا: رضوا (المعنى)، وأبَوْا (الاسم)!.

■ كيف تُقيّم نمو التيّار السلفىّ وحضوره فى الشارع المصرى؟ وكيف ترى دعوته ودخوله السياسة؟
- غياب دور الأزهر بمنهجه الوسطى هو الذى أتاح للتيار السلفى المتشدد أن يقوى ويتسع ويؤثر فى جمهور من الناس، الذين يتأثرون بالفكر الحرفىّ الذى لا يحتاج إلى تأمّل عميق، ولذا سمَّيتُ هؤلاء بـ(الظاهرية الجُدُد)، فلهم من الظاهرية: اتجاههم فى رفض (تعليل النص) و(رفض القياس) و(أخذ النصوص على ظواهرها دون النظر فى مقاصدها)، وإن لم يكن لهم علم الظاهرية الذى يتمثل فى موسوعيّة ابن حزم، وغزارة معرفته بالأحاديث، وأقوال السلف، وتاريخ الملل والنحل.
وقد رأيتُ التيار السلفى فى الجبهة المضادة لتيار شباب ثورة 25 يناير، فقد رأوا هؤلاء الشباب منحرفين عن الكتاب والسنة، وخارجين على ولىّ الأمر الشرعى، الذى أمر الله بطاعته {وأولى الأمر منكم}، حتى قالوا: إن الشيخ محمد حسان كان فى فترة من الفترات مؤيدا لهؤلاء الشباب، ثم انسحب وغيَّر موقفه!
والغريب أنهم الآن يلصقون أنفسهم بالثورة، ويقدِّمون أنفسهم للشعب كأنّهم أبطال الثورة، والذابُّون عنها!
فلابد من تمحيص هذه الأمور بالوقائع والأدلة، حتى يُعرف من كان مع الثورة ومن كان ضدها، ومن كان من المذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
على أنى لا أرى بحال أن يُحرم مصرىٌ من ممارسة حقّه فى العمل السياسىّ، على أن يُعرفَ موقفه، ولا يُترك ليقفز ويأخذَ دورًا غيرَ دوره، ويدَّعى دعوى ليس من أهلها، أمَّا (العزل السياسى) الذى عرفتْهُ ثورة 23 يوليو، ومارسته فى حق بعض الناس، فأرى أنه حق لا يسقط بحال، أما الذى يُسقط الشخص فهو المجتمع المصرى، والجمهور المصرى.
■ بعض السلفيين ينتقدونك ويعتبرونك من المفرّطين، وأنك متساهل دائما فى أحكام الدين على غير طريقة السلفيين، فما تقييمك لهذا القول؟
- لقد تبنَّيتُ من قديم ما عُرف باسم (منهج الوسطية)، وهو منهج له أُسسه وأهدافه، ومعالمه وضوابطه، وهو يمثِّل (المنهج الوسط للأمة الوسط)، وهو منهج قرآنى نبوى يقوم على التيسير والتبشير لا التعسير والتنفير، التيسير فى الفتوى والتبشير فى الدعوة، فإذا كان بعض الناس يعتمد (الأحوط)، فمنهجى يعتمد (الأيسر)، مستدلاًّ بأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
فهو وسط بين الغلو والتقصير، أو بين الإفراط والتفريط، أو بين الطغيان فى الميزان والإخسار فى الميزان، كما قال تعالى: {ألّا تَطْغَوْا فى المِيزَان* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:8،9].
يقوم هذا المنهج على التوازن والتكامل بين نور العقل الإنسانى، ونور الوحى الربانى، أو كما قيل: بين صحيح المنقول، وصريح المعقول، أو بين الكتاب والميزان، وأن الحق لا يناقض الحق، بالقراءة فى كتاب الله المنظور (الكون)، أو كتابه المسطور (الوحى أو القرآن).
وهو منهج يقوم على ثبات الأهداف، وتغيُّر الوسائل، وعلى الاستفادة من كلِّ قديم صالح، والترحيب بكلِّ جديد نافع، وعلى استلهام الماضى، ومعايشة الحاضر، واستشراف المستقبل. وعلى المزج بين الرُّوح والمادَّة، والموازنة بين العقل والقلب، وبين حظوظ النفس وحقوق الرب، وبين الدنيا والآخرة.
هذا هو منهجى: التكامل والموازنة، فلا غروَ أن يختلف معى بعض الذين لا يحسنون فَهم منهجى بشموله وإيجابيته ووسطيته، ولا غرو أن يحسبنى المتشددون والمتنطعون من المفرِّطين والمتساهلين.. والحقُّ أنهم هم من المتنطعين، ومن الغلاة، روى ابن مسعود، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هلك المتنطِّعون» قالها ثلاثا. والمتنطِّعون: المتشدِّدون المغالون المتعمِّقون فى أمر الدين.
وروى ابن عباس، عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو فى الدين، فإنما هلك مَن كان قبلكم بالغلو فى الدين».
ولذا تبنَّيتُ التيسيرَ الذى أوْصانا به الرسولُ الكريمُ، فقال: «يسِّروا ولا تُعسروا وبشِّروا ولا تنفِّروا»، وقال الإمامُ سفيان الثورى: «إنما الفقهُ الرخصةُ من ثقة، أمّا التشديد فيحسنُه كلُ أحد».
ولقد اعترض بعضهم قديما على كتابى (الحلال والحرام فى الإسلام) وقالوا: الأولى أن نسمِّيه كتاب (الحلال والحلال فى الإسلام) لقلة ما ذكر من المحرَّمات فيه .. وهذا ليس ذنبى، لأن شريعة الإسلام هى التى ضيقت دائرة المحرمات، وجعلت الأصل فى الأشياء الإباحة، فكلُّ شىء مباح إلا ما حُرِّم بنصٍّ.
وقد قلت لهم مازحا: ألِّفوا كتابا وسمُّوه (الحرام والحرام فى الإسلام)؛ لأنهم يتوسعون فى التحريم.
وقد جاء فى حديث أبى الدرداء: «ما أحلَّ الله فى كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا، ثم تلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}» [مريم:64].
ومن المعروف لدى الراصدين لمسار الفكر الإسلامى فى السنين الأخيرة، أنه قد تأثر كثيرون بمنهجى الوسطى فى داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
■ تحدثت أصوات كثيرة فى مصر عن مخاوف من نشوء دولة دينية على غرار النموذج الإيرانى فى مصر.. ما هو تقييمك لهذه المخاوف وكيف تراها؟
- بيَّنا أن الإسلام لم يعرف فى قرونه الأولى- وهى خير القرون- وفى أيام ازدهار حضارته: نموذج الدولة الدينية التى عرفتها المسيحية، إنما عرف (الدولة الإسلامية)، وفرق كبير بين الدولة الدينية والدولة الإسلامية، كما بيَّنتها من قديم فى كتبى، (دولة مدنية (100%) مائة فى المائة، ولكن تتميَّز بأن (مرجعيتها الشريعة الإسلامية)، ومن الضرورى أن نفهم هذه الشريعة فى ضوء اجتهاد فقهى صحيح، يجمع بين نصوص الشرع الجزئية ومقاصده الكلية.
ولا يجوز أن يؤخذ كلُّ ما خطَّه القدماء من أقوال واجتهادات جزئية كانت صالحة لزمانهم ومكانهم وبيئتهم، فنعتبرها صالحة بالضرورة لزماننا وبيئتنا. فقد أثبت علماؤنا: أن الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والحال والعرف.
وكان من مواد المجلة (مجلة الأحكام) التى قدمت بها لأحكامها (المادة: 39) وهى تقول (لا ينكر تغيُّر الإحكام بتغيُّر الزمان).
على أن لا مبرر لهذه المخاوف فى بلادنا (أهل السنة)، لأن الدولة الدينية عندنا غير موجودة- أىْ فى فقهنا- فليس عندنا فكرة الإمام المعصوم، ولا المهدى الغائب المنتظر، والذى تُعتبر المراجع الدينية نوابًا عنه، وهم يدعون الله بأن يفرج عنه، أو يعجِّل فرجه. ومن هنا ظهرت عندهم نظرية (ولاية الفقيه)، وليس عندنا مثل هذه النظرية.
■ يرى البعض أن هناك ثورة مضادة فى مصر، وتلعب فيها بعض التيارات الإسلامية المتشددة دور رأس الحربة.. فما رأيك؟
- أما أن هناك ثورة مضادة فى مصر.. فهذا أمر طبيعى، ولسنا من السذاجة بحيث نصدِّق أن الذين قاوموا هذه الثورة التاريخية، وحاربوها بكلِّ وسيلة، حتى بالقتل واستباحة الدماء، أن هذه القوى تسلم بسهولة لهذه الثورة، التى نصرها الله وفتح لها فتحا مبينا، وهداها صراطا مستقيما، ونصرها نصرا عزيزا، ونحن نقرأ قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } [الأنعام:112]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]، ولكن ربما أتوقف فى اعتبار أن التيارات الإسلامية المتشددة وحدها هى رأس الحربة، بل هناك قوى شتى ستعمل ضد هذه الثورة، ولابد من التيقظ لهم، والحذر منهم دون حيف عليهم.
■ جماعة الإخوان المسلمين تحالفت فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية مع السلفيين رغم العداوة التاريخية، ما تعليقك؟
- لا أعلم أن جماعة الإخوان المسلمين تحالفوا مع السلفيين على الوقوف معا للتصويت بـ(نعم) على التعديلات الدستورية، رغم الخلاف المعروف بينهما، إنما وقع اتفاق فى المواقف بغير تحالف.
وأنا من الذين دعوا للقول بـ(نعم)، ورأيته القول المطلوب والمنطقى فى هذه الظروف، ولكن لا أضخِّمه إلى الحدِّ الذى تضخِّمه بعض الفئات، ولو قالت الأغلبية: (لا). لوجب أن ينزل الجميع عليها، كما سبق أن قلت.
■ فضيلتك مع أصوات كثيرة فى العالم الإسلامى تمثلون تيارا وسطيا تعامل مع مشكلات الحياة.. فكيف ترى العلمانية كحل وطريق للدولة؟
- أرى أن منهج الوسطية هو المنهج الذى يعبّر بحقٍّ عن الإسلام المتوازن، الذى يمثل (الصراط المستقيم) فلا يميل يمينا ولا شمالا، كما تميل مفاهيمُ الناسِ وفلسفاتُ البشرِ، فهذا مادىٌّ يغفل الروحانية، وآخر روحانى يغفل المادة، وهذا فرْدىّ لا يهتم بالمجتمع وحقوقه، وآخر جماعى لا يعنى بالفرد وفطرته ودوافعه، وثالث ينظر إلى السماء ولا يفكر فى الأرض، أو العكس، إلى آخر هذه المتقابلات.
ولكن المنهج الإسلامى الصحيح يراعى هذه المتقابلات، ويوازن بين الثنائيات، ويعطى كلاً منها حقه دون أن يطغيها أو يخسر منها.
إن الإسلام دين واقعى، وهو يعترف بأن فى الحياة مشكلات كثيرة، نفسية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وأخلاقية، ولكنه يوقن أن لكل مشكلة حلاً، ولكل داء دواء، وهو يصف هذا الحل أو هذا الدواء بمنهج متوازن، بعيدا عن الغلو وعن التسيب.
أما العلمانية فلا تصلح حلًّا ولا طريقا لدولة معاصرة فى بلد مسلم، إن العلمانية كانت حلًّا لمشكلة فى أوروبا، حيث كانت الكنيسة الغربية التى تمثل الدين فى ذلك الوقت كانت تمثل الملوك ضد الشعب، والإقطاع ضد الفلاحين، والجمود ضد التحرر، والخرافة ضد العلم، فكره الناس الدين ورجاله وكنيسته، وفصلوه عن الدولة وعن الحياة، وقد وجدوا فى نصوص دينهم نفسه ما يشجعهم على هذا المنهج، حيث قال المسيح: «دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»!!
كما وجدوا فى صلب الفلسفة الغربية ذاتها- كما فى فلسفة أرسطو أكبر وأشهر فيلسوف غربى- «أن الله لا يدبر أىَّ شأن فى هذا الكون، بل لا يعلم شيئا عما يجرى فيه».
وكما قال مؤرخ الحضارة والفلسفة «ول ديورانت» فى كتابه «مباهج الفلسفة»، معلقا على الألوهية عند أرسطو: «يا لإله أرسطو من إله مسكين، إنه كملك الإنجليز يملك ولا يحكم».
أما إله المسلمين فهو يعلم كل شىء، ويملك كل شىء، ويدبر كل أمر، «وأما قيصر وما لقيصر فهو كله لله الواحد القهار».
إن حل مشكلات الحياة ليس فى تبنى العلمانية، بل فى تبنى (العلمية)، والعلمية هى منهج وروح واتجاه، هى فلسفة وتطبيق، وهى من ثمرات المنهج الإسلامى، وهو الذى يثمر التكنولوجيا، وحسن الإدارة، وقوة التنظيم.
■ الشيخ محمد حسين يعقوب وصف الاستفتاء بأنه غزوة الصناديق، وأن الناس انتصرت للدين، رغم أن التعديلات عبارة عن مبادئ عامة، ولم تتدخل فى موضوعات تتعلق بهوية الدولة المصرية أو الدين.. فما تعليقكم؟
- الحقيقة أن التعديلات التى عرضت على الشعب المصرى ليستفتى عليها ليست ذات طابع دينى، بل هى ذات طابع وطنى، ويتعلق معظمها بشروط اختيار الرئيس، وكم مدته، وعدد مرات انتخابه، واختصاصاته، ونحو ذلك.
وأنا لست من هواة تهويل الأمور، أو تهوينها، ولذا لم يعجبنى وصف (غزوة الصناديق)، وكأننا انتصرنا فى معركة (حطين). الذى أعجبنى فى موقف الشعب المصرى هو أخذه الأمر بجد، وإقباله على الصناديق بكثافة، وتحمله طول الطوابير حتى أدى واجبه.

والعجيب أن أكثر السلفيين، كانوا فى موقف المعارض للثورة باعتبارها دعوة لمناوئة السلطة، ومخالفة الشرعية، ومعصية ولى الأمر، وهى دعوة إلى الفتنة، ونشر الفوضى، فالواجب على الشعب هو الطاعة المطلقة لولى الأمر!! ثم غيروا موقفهم حين انتصرت الثورة!!.
■ لم يتضح فى مصر شكل الدولة التى يرغبها الشعب.. فهل ترى-مثل آخرين- أن النموذج التركى قد يكون الأمثل للحالة المصرية فى ظل التنوع سواء فى الدين أو فى الأفكار؟
- الدولة التى يريدها الشعب المصرى بعد الثورة دولة مدنية ديمقراطية تعددية تحترم الأديان السماوية وتعتز بالإسلام، وتعتبره دين الدولة، وتجعله مصدر التشريع والتوجيه، ولا تجمُد فى فقهه وتفسيره، على ما قاله علماء الأزمنة الماضية، ولا تنفتح فى تفسيره انفتاحا يخرجه عن الضوابط الشرعية، والقواعد المرعيّة، وتستفيد من كل التجارب الإسلامية المعاصرة، ومنها التجربة التركية الموفـّقة فى سياستها إلى حد كبير، وإن كان لدى التجربة التركية من العوائق ما ليس لدينا، فقد قاوم «أتاتورك» الإسلام وشريعته وثقافته مقاومة ضارية، وصنع عوائق ضد عودة الإسلام وثقافته ودستوره، وجعل الجيش حاميا للعلمانية، ولم يكتفِ بالعلمانية التى تقف من الدين موقفا محايدا، كمعظم العلمانيات الليبرالية، التى لا تؤيد الدين ولا تعاديه، بل وقف أتاتورك موقفا معارضا ومعاديا للدين، لهذا احتاج حزب العدالة والتنمية إلى جهد جاهد للقيام بإصلاحاته، والوصول بالتدرج الحكيم إلى تحقيق الكثير من أهدافه.
المصري اليوم

Nessun commento:

Posta un commento